لم ينتج عن علم التأريخ طريقة واحدة بل طرقٌ متعددة ومختلفة، وهناك الكثير من الخلاف حول استخدام المنهج التاريخي في البحث العلمي والعلوم الاجتماعية، لذلك سنتناول في هذا المقال بعض القضايا الفلسفية المتعلقة بالطريقة التاريخية الخاصة بالبحث العلمي، لنقترح على القراء نهجًا واضحًا لاستخدام الأدلة التاريخية في بناء واختبار النظريات العلمية.
فلقد استخدم المؤرخون والفلاسفة وكذلك علماء الاجتماع الآخرون بانتظام استخدام أدلة المنهج التاريخي في البحث العلمي لتطوير نظرياتهم ومواقفهم، كما استخدموا بشكل متكرر الحقائق والأحداث التاريخية لتجميع الدعم لحججهم ووجهات نظرهم ونظرياتهم، فعلى مدار تاريخ هذه الممارسة تصادم اتجاهان رئيسيان لذلك الفكر التاريخي، فقد حاول أحدهم إنشاء علم التاريخ من خلال تطوير قواعد وتقنيات منضبطة لتسجيل وتحليل الحقائق التاريخية، وفائدة التاريخ في حياة الإنسان.
* ما نتيجة استخدام المؤرخين والفلاسفة لـ المنهج التاريخي في البحث العلمي؟
أثارت المناقشات الأخيرة حول الطريقة العلمية والطريقة الوضعية أو العقلانية بشكل عام من قِبَلِ (Feyerabend 1975،Kuhn 1977 ، Lakatos 1978) اهتمامًا متجددًا بدور التاريخ في العلم بوجهٍ عام، فلقد طورت كل من الطرق التجريبية والواقعية والنسبية ثلاث مقاربات رئيسية في العلوم، وكانت وجهات نظرهم - في بعض الأحيان أكثر من واحدة - للتاريخ (Iggers 1984)، والغرض من هذا المقال هو استكشاف منهجيات علم التأريخ، ومناقشة أهميتها لمختلف أساليب المناهج في العلوم.
* تقاليد التاريخ
أيا كان تقليد التأريخ فإن الطريقة التاريخية تمثل الحث على الاستنتاج، والمحددة أو الفردية على العموم، فهناك اتفاق بين المؤرخين على أن كل فترة زمنية وسياق تاريخي له حساب خاص بالأسباب وراء وقوع الأحداث بحيث لا يمكن استنساخها، وبالتالي فهي غير قابلة للتعميم، كما يجب على المرء أن يعامل كل حدث في التاريخ بأنه فريد من نوعه ضمن خصوصيته (Iggers 1984).
كما يمكن اعتبار تقاليد أناليس في التأريخ الأقرب لقبول إمكانية مستوى ما من التعميم من الأدلة التاريخية الخاصة بـ المنهج التاريخي في البحث العلمي، وقد تم التعرف على Annales باعتبارها المدرسة التجريبية التحليلية للتاريخ، كما أنه مبني على جهود المؤرخين الفرنسيين المشهورين الذين يهدفون إلى "فهم" الماضي، وكان هذا "الفهم" مهمة تفسيرات سببية لهؤلاء المؤرخين، كما أن هدفهم كان لتطوير مجموعة من الأساليب في جمع وتحليل البيانات التاريخية، وعلى هذا النحو حاولوا جميعًا جلب العلمانية والاحترام إلى التاريخ واعتقدوا أن فهم التاريخ هو الأساس لفهم الإنسانية.
كما تمثل التقاليد الأخرى للتاريخ مستويات من النقد والنهج من منظور التأويل، وبالتالي فهم يشددون على استحالة فهم الماضي مباشرة، دون مقاطعة "التفسير" بناءً على وجهات نظر وعي الحاضر، لذلك في بحث الظواهر على سبيل المثال يصبح فهم الوعي الهدف الأساسي (هوسرل 1962)، أما في تقليد التاريخ الثقافي فيجب على المرء أن يحاول فهم ثقافة العصر حتى يتمكن من معرفة الحقائق الموثقة، حيث إن الوثائق بعد كل شيء تنطوي على عملية تصور الثقافة المحددة للعالم وحقائقه.
ومع ذلك هناك العديد من التقاليد المختلفة في منهجية اختيار المنهج التاريخي في البحث العلمي، فكما نوقش تقليد أناليس وهو الأقرب إلى الوضعية عن المنهج العلمي السائد في العلوم الاجتماعية اليوم، ويرجع ذلك إلى الأهمية التي يوليها كل من الوضعية وتقاليد أناليس للحقائق العملية والملموسة والقابلة للقياس وتوثيقها من أجل الآخر، فإن هذا المنظور الخاص بالحقائق مفيد بالفعل للتفسير السببي.
* ماذا تقدم البحوث التاريخية لمناهج البحث العلمي؟
تقدم البحوث التاريخية وجهات نظر حول الظواهر التي لا تتوفر بأي وسيلة منهجية أخرى، فهي تعكس الظروف الثقافية والافتراضات الإيديولوجية التي تكمن وراء الظواهر، والدور الذي يلعبه صناع القرار الرئيسيون جنبًا إلى جنب مع القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الطويلة الأجل في إنشائها، ويرافق كل من هذه الفوائد قيود مثل - في معظم الحالات - عدم وجود تتبع رياضي، كما يمكن للتطبيق الدقيق للأساليب التاريخية التغلب على بعض هذه القيود.
* خطوات لتحديد منهجية التاريخ في البحث العلمي
1- البدء بالتركيز على الأسئلة.
2- تحديد المجال.
3- جمع الأدلة.
4- انتقاد الأدلة.
5- تحديد الأنماط .
6- رواية القصة.
7- كتابة النص.
البحث التاريخي أو التأريخ يحاول استعادة منهجية الفروق الدقيقة المعقدة والأشخاص والمعاني والأحداث وحتى أفكار الماضي التي أثرت في الحاضر وشكلته، كما تعتمد البحوث التاريخية على مجموعة واسعة من المصادر، سواء الابتدائية أو الثانوية بما في ذلك المواد غير المنشورة.
* ما المصادر التي تعتمد عليها البحوث التاريخية في البحث العلمي
1- المصادر الأولية
تتضمن المصادر الأولية روايات شهود العيان للأحداث، ويمكن أن تكون شهادة شفهية أو كتابية، سواء وجدت في السجلات العامة والوثائق القانونية، أو محاضر الاجتماعات، أو سجلات الشركات، أو التسجيلات، أو الرسائل، أو اليوميات، أو المجلات، أو الرسومات، وتقع في أرشيفات الجامعة أو المكتبات أو المجموعات التي يديرها القطاع الخاص مثل المجتمع التاريخي المحلي.
2- المصادر ثانوية
يمكن أن تكون شفهية أو مكتوبة، وتوجد في الكتب المدرسية والموسوعات والمقالات الصحفية والصحف والسير الذاتية وغيرها من وسائل الإعلام مثل الأفلام أو التسجيلات الشريطية.
* يتضمن المنهج التاريخي في البحث العلمي الخطوات التالية
1- تحديد فكرة أو موضوع أو سؤال بحث.
2- إجراء مراجعة الأدبيات الخلفية.
3- صقل فكرة البحث والأسئلة.
4- تحديد أن الأساليب التاريخية ستكون الطريقة المستخدمة في البحث العلمي.
5- تحديد مصادر البيانات الأولية والثانوية للمنهج التاريخي.
6- تقييم الأصالة والدقة من المواد المصدر.
7- تحليل التاريخ وتطوير معرض السرد من النتائج.
ويمكن للطريقة المعاصرة المهيمنة في العلوم وبالمثل التقليد المعاصر السائد في المنهج التاريخي في البحث العلمي الاتفاق في طريقة التأريخ، وكلاهما يعتمد على مجموعة من الحقائق التجريبية وتكرار الأحداث الشائعة، ووصف الأحداث والتاريخ بالنسبة لنا، وقد يكون هذا بداية المعرفة وأساس فضول بعص الأثار عنهما، ومع ذلك فإن هذه الأساليب ليست كافية للتفسير أو بالمعنى الحقيقي ليست كافية للفهم، وذلك لأن التفسير أمر حتمي، ومع ذلك يمكن أن يكون مشكلة بسبب تحيزات وجهات النظر المكتسبة على أساس التجارب الماضية والمصالح والقيم، كما يمكن للعقل الفضولي والعلمي أن يجد بعض الارتياح من مخاطر التفسير من خلال الاستجواب المستمر للأحداث الشائعة، وعن طريق وضع ما هو شائع في الاختبار من خلال فحص الاستثناءات لفهم جديد يخص شأن المنهج التاريخي في البحث العلمي.