العلم الشرعي هو سيد العلوم ، ليس فقط لأن أساس وجود الإنسان هو العبادة ، قال تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "(سورة الذاريات ، الآية 56) ، ولكن أيضاً لأن الدين الإسلامي لم يكتفي فقط في نصوص بشرح الجانب الروحاني للبشر ، كما فعلت الديانة المسيحية مثلاً ، ولم يكن ديناً جل ما يهتم به هو وضع عقوبات صارمة للمخطئ كما فعل الدين اليهودي ، بل تطرق إلى مختلف أنواع العلوم ، فتطرق إلى علم الرياضيات في آيات المواريث ، وعلم الطب حيث قال : " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس "(سورة النحل ، الآية 69) ، وعلم الاجتماع حين دلنا الرسول صلى الله عليه وسلم على وسائل التحاب بين الناس ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : " أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم . . . أفشوا السلام بينكم " ، وعلم الاقتصاد حين عالج قضية الربا ، التي بعد مرور ما يزيد على ألف عام أثبت علماء الاقتصاد المعاصرين الضرر الذي يلحقه الربا باقتصاد الدول ، وحين شرع عقد المزارعة ، وعلم الفلك ، حيث قال تعالى : " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين " ، وحيث قال : " يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين "(سورة يوسف ، الآية 4) .
نستنتج من ذلك أن الباحث الشرعي المتمكن هو من يكون لديه خلفية شاملة لمختلف أنواع العلوم ؛ حتي يكون قادراً على استيعاب نصوص دينه ، ومستطيعاً تطبيقها على قضايا مجتمعه المعاصر ، ليس هذا فحسب ، بل ليكون مقتنعاً هو بدينه قبل أن يقنع به الناس ؛ وليكون مثالاً حسناً لمن يرقبه ، ويبغى اتباع مسيرته .
ولما سبق فلم نجد مؤسسةً تعليمية أكاديمية فهمت العلاقة بين الدين والحياة والمجتمع ، كما فعلت كلية العلوم الشرعية بعمان ، فأفردنا هذا البحث للحديث عنها في أهدافها ، ورسالتها ، والموارد البشرية فيها ، وأساليب التدريس ، وتقييم الطلاب ، وكيف استطاعت التوفيق بين دين نزل من أكثر من ألف عام ، وبين واقع معاصر ، بأسلوب تحليلي نقدي بناء .